مكانك اصنعيه بنفسك!
تحت العشرين » إبداع بلا حدود
13 - صفر - 1441 هـ| 13 - اكتوبر - 2019

كانت أُمسية رائِعة تلك التي قضيتُها مع والدتي و أُختي في منزل صديقة والدتي , كنتُ في الخامسةَ عشرةَ من عمري وقتَها , و أختي قد بلغت السادسةَ عشرةَ , و سارة (ابنة مضيفتنا) في الرابعةَ عشرةَ.
جلسَت أمَّهاتِنا في غرفة الضُّيوف, و خرجتُ و أختي مع سارة إلى الشُّرفة الواسِعة و التي بدَت لنا ساحِرة بنباتاتِها المنزليِّة التي تملأُ أركانَها جميعاً , و تتدلى على حوائِطها بتناسق أخَّاذ, و راحت زهورها و أعشابها العطريِّة تداعبنا بنسمات بارعة , وقد أَسَرنَا جَمال غِطاء الدانتيل الرَّقيق الذي غُطيت بهِ طاولة الشُّرفة البيضاء المستديرَة .
و بعد مدة ملأتْ سارة تلك الطَّاولة بأطباق ٍمن الحلوياتَ المصنوعةَ في المنزل بعناية فائقة, و لمحت ذات الدَّهشة التي اعترتني في عيني أختي عندما علمنا أنَّ سارة هي من صنَع تلك الأطباق اللذيذة و الجميلة بآنٍ معا.
و بلغ منَّا الحياء مبلَغه حينما فهمنا من بعض حديثِ سارة أنها من يهتمُّ بتنظيف و ترتيب المنزل, و أنَّ عمل والدتها ينحصر في طهي الطعام و بعض الأمور الأخرى إلى جانب إدارتها لمشغلها الخاص بخياطة الألبسة و عملها فيه .
كان عملنا في مساعدة والدتنا وقتها لا يتعدَّى تنظيف الأرضيَّات و غسيل الأطباق, وربما يقع على عاتقنا في بعض الأوقات عملا إضافيا كترتيب الملابِس في الخزائن و الأدراج , أو تعليقها بعد غسلِها على الحبال, أما أن نحمل مسؤولية المنزل بشكل كامل فتلك هي المستحيلة الثَّامنة أو أنها الشَّقاء بحدِّ ذاته .
كان هذا ما نعتقده معا حتى عرَفنا سارة الفتاة الوحيدة المدلَّلة, و رأينا بأعيننا كيفَ كان تعامُلها السَّريع و المتقنُ مع مُقتنيات منزلها يوحي بأنَّها من يعتني به و يهتم لأمره .
و قد زادت سارة همومنا عندما عرضَت علينا بعض قطع ( الكروشيه) و شالا من الصُّوف قامت بحياكته بنفسِها , ثمَّ قامت بعرض مخططٍ (لتنورة) قامت بقصِّها مُستعينة بإحدى الفتيات العاملات في مشغل والدتها, و كانت ترغب في تعَلُّم الخياطة أيضا , فكانت الطامة .
عُدنا يومها للمنزل و قلوبنا تتفجر حياء من والدتنا, و يملؤنا شعور بالتَّقصير في حق أنفسِنا ووالدتِنا و قد رأينا نموذجاً واقعيا رائعا لا قِصصا و حكاياتٍ وهمية .
بقيتُ صامتة طوال الوقت و كذلك فعلتْ أختي , و قد كانت علاقة الصَّداقة الحميمة التي تربط سارة بوالدتها تغرينا بالمضيِّ في طريقها الجميل, و الذي قد بدا لنا مُتعبا في بدايته, ولكنَّ نتيجتُه كانت تبدوا لنا أيضا ساحرة , فقد كنت أتوق للحديث مع أمي بتلك الأريحية التي تحدَّثت بها سارة مع والدتِها , و كنت أُريد لها أن ترتاح من بعض العمل لتتفرَّغ لرفقتِنا, و كنت أُريد أن تكون لي مكانتي في قلبها و قلوب الجميع في منزلنا.
و قد أدركت أنَّ تحمُّل المسؤولية بجانب الأهل, و العمل الجاد المتقن معهم و عدم التَّهرب و الرُّكون للكسل و الَّلهو هي الطَّريق الوحيدة ليدركوا أننا بِتْنا كباراً, وأننا نستحقُّ صداقتهم و احترامهم.